الدكتور حمدي سلام ...ابن فلاح مصري اثر في نشوء الاستعراب السوفيتي

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أثر الدكتور حمدي سلام(1906 – 1966) تأثيرا بالغا في نشوء علم الاستعراب السوفيتي ولم يكن لدى قدومه الى موسكو من الاسكندرية في عام 1924 للدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ومن ثم في معهد الطب الاول يفكر بأنه سيبقى في روسيا حتى آخر يوم من حياته ويوارى التراب في مقبرة العظماء "نوفوديفيتشي" بموسكو.

وكتب البروفيسور فيتالي ناؤومكين مدير معهد الاستشراق الروسي عنه قائلا:" لقد عرف بموسكو بأسم الدكتور حمدي. وربما لن تجد مستعربا موسكوفيا لم يطلب مساعدته ولم يتلق هذه المساعدة.علما ان تراثه العلمي ليس كبيرا ، لكن لا يمكن التقليل من شأن تأثيره في علم الاستعراب السوفيتي. لقد كان سلام متضلعا متميزا في الاخلاق والعادات المصرية وبالاخص القديمة، ووهبته الطبيعة ما كان يعرفه فقط ابن الفلاح المصري الذي احتفظ في ذاكرته بأحداث القرن الماضي. وشارك حمدي منذ ايام فتوته في ثورة عام 1919 ضد الاستعمار واصدرت عليه المحكمة العسكرية البريطانية الحكم بالسجن. ومنذ ذلك الوقت مضى حمدي سلام في الطريق الصعب .. طريق النضال الثوري السري ، وكان احد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري. وفيما بعد تلقى في الاتحاد السوفيتي التعليم في مجال الطب والعلوم الانسانية. وبما انه كان رجلا متعدد الاهتمامات وذا قدرات كبيرة فقد استطاع ان يصبح طبيبا جراحا وعالما في مجال الاستشراق ومترجما وكاتبا".

لقد نشأ حمدي في عائلة فلاحية فقيرة نزحت الى الاسكندرية وشاهد القرية لأول مرة حين كان طفلا صغيرا . فقد اخذه ابوه في سفينة في النيل الى القرية التي كانت تعيش فيها جدته. وشاهد هناك لأول مرة الحياة الريفية وعلاقات التضامن بين الفلاحين الذين كانوا يعانون ايامذاك شظف العيش. وبدأ حمدي الحياة العملية في سن العاشرة حين الحقه ابوه بالعمل لدى صاحب احد الدكاكين في الاسكندرية.وكان منذ الصباح حتى المساء يخدم البحارة الذين يأتون لشرب المرطبات في الدكان. وفيما بعد أدخله ابن صاحب البيت الذي يخدم فيه ابوه الى المدرسة حيث ابدى الهمة والنشاط. ولقي في المدرسة الرعاية من معلم اللغة العربية صفوان ابو الفتح الذي شجع محاولاته في نظم الشعر وكتابة القصص.علما ان ابو الفتح كان مرتبطا بالحركة الوطنية المصرية التي تصاعدت في العشرينيات من القرن الماضي. وسرعان ما انخرط حمدي في النضال الوطني وبرز لموهبته الخطابية في المظاهرات الشعبية. لكن هذا بالذات جعل اجهزة الامن تلاحقه وكانت النتيجة ان دخل السجن بعد القائه خطابا حماسيا في مسجد ابو العباس في الاسكندرية. وبعد ان امضى سبعة اشهر في السجن اطلق سراحه وكان قد بلغ سن 18 عاما. وفي عام 1924 بدأت حملة اعتقالات في صفوف الوطنيين المصريين ، واتيحت له عندئذ الفرصة للسفر الى الاتحاد السوفيتي للدراسة.

وبعد تخرجه من الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ومعهد الطب الاول لم يستطع العودة الى وطنه بعد اسقاط الجنسية المصرية عنه في عام 1928،وعمل في وقت واحد كطبيب وكأستاذ للغة العربية في معهد الاستشراق بموسكو وكمترجم في اذاعة موسكو.

وعمل خلال اعوام طويلة كأستاذ للغة العربية في معهد الاستشراق وقدم الاستشارات الى المستعربين السوفيت كما ترجم الى الروسية اعمال بعض الكتاب المصريين والعرب. كما قام بترجمة صوتية لحوالي 200 فيلم سوفيتي الى اللغة العربية.

وفي عام 1958 اصبح حمدي سلام باحثا علميا في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. وبدأ العمل في اعداد قاموسه التعابيري عربي-روسي.وتضمن القاموس عددا كبيرا من الاقوال المأثورة والامثال والتعابير المجازية العربية. وسجل في بطاقات حوالي المليون من التعابير الحكيمة والاقوال المجازية الجميلة. لكنه لم يستطع انجاز هذا العمل الجسيم حتى النهاية حيث وافته المنية في مارس عام 1966 ، وكانت قد اعيدت اليه الجنسية المصرية بأمر من الرئيس جمال عبدالناصر وشد الرحال الى وطنه.